العلامة الولي الصالح الشيخ سيدي الطاهر العبيدي رحمه الله
العلامة الفقيه الأصولي النظار المجتهد اللغوي الحجة المتصوف الإمام الطاهر العبيدي السوفي مولدا ، التوقرتي إقامة و مستقرا ، ينحدر من اولاد سيدي عبيد ببئر العاتر ( ولاية تبسة بأقصى الشرق الجزائري).
نسبه :
هو الطاهر بن العبيدي بن علي بن بلقاسم بن عمارة بن بلقاسم بن سليمان بن عبد الملك بن الهادي بن احمد خذير بن عبد العزيز بن سليمان بن سالم بت ابراهيم عبد الحليم بن عبد الكريم بن عيسى بن موسى بن عبد السلام بن محمد بن جابر بن جعفر بن محمد بن محمد بن عبد الله ابن ادريس الاصغر ابن ادريس الاكبر ابن عبد الله الكامل ابن الحسن المثنى ابن الحسن السبط بن الامام علي ( رضي الله عنهم).
مولده و نشأته :
ولد الاستاذ الطاهر العبيدي في مدينة الوادي عاصمة سوف سنة 1304 هـ ، الموافق لسنة 1886 م ، والده كان يحترف الحدادة ، ارسله منذ صغره الى الكتاب لتعلم الحروف العربية و لحفظ القرآن الكريم، و قد تميزت منطقة وادي سوف و بعض المناطق الجزائرية ( غرداية – المسيلة و غيرها ...) بلسانها العربي الفصيح المبين الذي لا عجمة فيه و لا لوثة تختلط بصفاء اللسان مما كان له تأثير كبير على اللغة اليومية المعتادة فيما بينهم ، و هو ما ساعد القوم على قراءة القرآن الكريم الذي شاع حفظه في تلك الربوع حتى بين النساء ، و لم يشذ – مترجمنا – عن اترابه و لداته فقد تمكن من حفظ القرآن الكريم حفظ تمكن و إتقان و لما يتجاوز الثانية عشر من العمر ، بينما يذهب الأستاذ محمد محدة في تحقيقه لرسالة الستر و تعليقه عليها في معرض ترجمته للشيخ العبيدي الى انه حفظ القرآن الكريم في سن التاسعة ، يقول : " و ظهر عليه بوادر النجابة و الذكاء في سن مبكرة ، حيث حفظ القرآن الكريم في سن التاسعة من العمر " ثم انكب الفتى على دراسة العلوم الشرعية و اللغوية ، فحفظ المتون المعروفة في التفسير و الفقه و الحديث و الأصول .... و تفتقت عنده الملكة الفقهية و هي بمثابة الرصيد المخزون الذي راح ينمو باضطراد عجيب ، و يتصاعد وفق خط بياني واضح في حياته العلمية.
مدينة وادي سوف
تحصيله العلمي و شيوخه:
اجمع كل الذين ترجموا للشيخ العبيدي انه اخذ علوم الشريعة و اللغة عن الشيخين عبد الرحمن العبيدي و محمد العربي بن موسى ، و لكنهم لم يشيروا الى انه تتلمذ على الشيخ القاضي عمارة من قرية " تاغروت " و لم يذكروا انه كان يحضر إلى دروس الشيخ الصادق بلهادي العقبي ( 1869 / 1939 ) مع صديق طفولته الشيخ إبراهيم بن محمد الساسي العوامر ( 1881 / 1934 ) '' صاحب الصروف في تاريخ الصحراء و سوف '' و غيره من التواليف ، و حسب ما ذكره الشيخ إبراهيم العوامر نفسه في كتابه '' البحر الطافح في فضائل شيخ الطريق سيدي محمد الصالح " أن الشيخ الصادق العقبي كان يتبرع بدروس في زاوية سيدي سالم - او الزاوية السالمية - بالوادي ، و من هنا نفهم ان تلمذة الشيخ العبيدي عل الشيخ الصادق بلهادي كانت من تلك الدروس في تلك الزاوية .... و يذكر الدكتور سعد الله في " تجارب في الأدب و الرحلة '' ( ص 100 ) : ''... أنه أخذ العلم إجازة بالمراسلة من الشيخ المكي بن عزوز الذي راسله بها من الأستانة '' أ.هـ
هجرته و أساتذته:
في سنة 1904 م هاجر الشيخ العبيدي الى تونس للتحصيل على مزيد من العلم بجامع الزيتونة ، و من ابرز العلماء الذين اخذ عنهم من الجامع الأعظم الإمام محمد بن الطاهر بن عاشور ، و العلامة محمد الخضر حسين ، و الشيخ احمد بن مراد و الشيخ حسن بن يوسف ، و فضيلة الأستاذ محمد النجار ، و الشيخ احمد البنزرتي و الأستاذ الكبير صالح الهواري ، و الشيخ خليفة بن عروس ، و الشيخ بن محمود ، و الشيخ النخلي و غيرهم مكن الشيوخ .
و يبدو من خلال بعض الكتابات انه صاحب زعيم النهضة الإصلاحية الامام عبد الحميد بن باديس أيام طلبه للعلم بالزيتونة ، و تبقى هذه المعلومة غير مؤكدة ، و إن كان الدكتور سعد الله يستنتج تخمينا بعد استقراء يقوده الى افتراض الصحبة بين الشيخين من خلال لفظة لابن بادي " قديم التذكار " جاءت في سياق مراسلة بين الرجلين بتاريخ جمادى الثانية 1337 هـ ، و يغلق الدكتور سعد الله على ذلك بقوله : " و هناك أوجه شبه و اختلاف بين ابن باديس و الشيخ العبيدي ، من ذلك صداقتهما ايم الطلب في تونس ، و هو ما يشير اليه ابن باديس في رسالته بعبارة [ قديم التذكار ] رغم انها عبارة غير صريحة في هذا المعنى " أ,هـ (تجارب في الأدب و الرحلة '' ( ص 101 )، و لا نعلم - على وجه الدقة - المدة التي مكثها شيخنا بحاضرة تونس ، فقد سكت الذين ترجموا له عن هذه النقطة باستثناء الأستاذ محمد محدة الذي حددها بثلاث سنوات.
العودة الى الوطن و جهوده في التعليم و الإصلاح:
بعد تلك الفترة التي قضاها طالبا بالزيتونة عاد الشاب الطاهر العبيدي الى ارض الوطن يتدفق حيوية ، و يزخر بالعلم و بما انعم الله عليه ، عاد و على كاهله أمانة ثقيلة و رسالة شاقة آل على نفسه الاضطلاع بها ، عاد إلى مدينة الوادي ليتصدى لنشر الثقافة الإسلامية و تعليم الناشئة .. و لم يطل به المقام في البلد الذي درج فيه طفلا و ترعرع فيه شابا و تقلب بين جوانحه يافعا ، حتى وجد نفسه مضطرا الى مغادرة الأسرة و القبيلة تاركا العشيرة و البيئة متجها نحو مدينة توقرت لتصبح هذه الأخيرة فيما بعد هي موطنه و محل إقامته و يستقر فيها استقراره النهائي الذي دام نصف قرن و زيادة ....
و السبب الرئيس الذي جعل مترجمنا ينتقل من سوف الى مدينة ورقلة كان تنفيذا وفيا و مخلصا لوصية أستاذه محمد العربي بن موسى الذي أشار عليه أن يخلفه في الإمامة و التدريس بالمسجد الكبير بتقرت ... و كان ذلك الانتقال بداية عهد جديد ....
و كان أيضا بداية للاضطلاع بمهمة جليلة مثقلة بالمسؤوليات ، و كان كذلك بداية لرحلة في مجال الخطابة و التأليف و الإفتاء و الاطلاع الواسع الذي لا يعرف التوقف و الانقطاع ... رحلة مليئة بالعطاء و التبليغ و هداية الخلق ... و منح الأستاذ الإمام الطاهر العبيدي للرسالة التي أنيطت به كل ما يمتلك من مجهود علمي ، و لم يبخل بكفاءته التي راحت تتنامى و تزيد مع الأيام .. و كانت تجربة دسمة بالثراء الفكري و الرؤية النيرة التي تدفع عن هذا الدين الشبه التي يثيرها المبطلون و يروج لها المرجفون الذين يتربصون بالإسلام و يتابعون مسار رسالته ، و من اجل ذلك لم يتخل الشيخ الطاهر العبيدي - يوما واحدا - عن أداء هذه الأمانة منذ ان تحملها سنة 1907 م ، و قام بها أحسن قيام ، و أدى ما عليه نحو ربه و دينه و أمته - رغم الظروف غير الملائمة في كثير من الاحايين - وافيا غير منقوص الى آخر يوم في حياته.
و كان الشيخ العبيدي - وحده- عالم منطقة ورقلة و فقيهها المجتهد و مثقفها الأكبر لا يشاركه في ذلك مشاركة طيلة ستين سنة ... و في خلال هذه المدة استطاع - بتوفيق من الله - ان يفسر القرآن الكريم حسب رواية الأستاذ عبد السلام سليماني : " ....و في العاشر من محرم سنة 1353 هـ الموافق ل 17 ابريل 1934 هـ ختم العبيدي تفسيره للقرآن الكريم ، و عاشت تقرت مهرجانا عظيما لم تعرف مثله من قبل و من بعد ، و لا احد اليوم من أبنائها يذكر ذلك الحدث العظيم " أ.هـ .
وفاته:
توفي الشيخ بعد حياة مليئة بالجهاد في سبيل نشر العلم و اصلاح الامة و تبصيرها بتراث الاسلام العظيم يوم 28/01/1968م بمدينة تقرت ، و كان يوما مشهودا خرجت فيه مدينة تقرت عن بكرة ابيها لتوديعه ، و حضر جنازته الكثير من بقايا جمعية العلماء المسلمين .
آثاره:
ترك الشيخ آثارا كثيرة منها تفسيره للقرآن الكريم الذي كتب منه بعض تلامذته اجزاء منه لا تزال مخطوطة في كراريس ، و الكثير من الفتاوي و البحوث الاصولية لكنها مع الأسف مبعثرة عند تلامذته و حفدته و الكثير منها ضاع .
- منظومة بعنوان : " النصيحة العزوزية في نصرة الأولياء و الصوفية ".
- منظومة بعنوان : " نصيحة الشباب المريحة للسحب و الضباب ".
المراجع:
- معظم المعلومات عن هذه الترجمة مأخوذة من مقالة بعنوان : " العلامة الشيخ الطاهر العبيدي الفقيه الصوفي" منشورة بجريدة العقيدة عدد 76 : الأربعاء 1 شعبان 1412 هـ / الموافق ل 8 فيفري 1992 م بقلم الاستاذ أحمد بن السائح.
- محاضرة مطبوعة بعنوان : " الشيخ العبيدي بمناسبة يوم العلم " ألقيت يوم الجمعة 14 افريل 1983 م بالمسجد الكبير بتقرت، من إعداد حفيده ( ابن بنته) الأستاذ سليماني عبد السلام.